وفي الليلة التاسعة من رحلتنا الطويلة  ،  دخلنا بطن واد عميق ،  وخرير الماء لا يفارق مسامعنا ،  وعلى حافتيه تتدلى اغصان شجيرات طرية  ،  حتى وصلنا نهايته ، فوقع نظري على تلة متواضعة ، يعتليها بيت من الطين والحجر .. يقطنه شيخ كبير ، حدثنا عنه بعض من مررنا بهم في الايام الاخيرة ، فقالوا عنه ورع زاهد ، باع الدنيا واشترى الاخرة .

ومما قالوه عن هذا الناسك ، انه تزوج مرتين ، ففي الاولى تزوج غربية شقراء ، عيونها كانهما البحر ازرقاقا  ،  وشعرها كخيوط مدلاة  ،  لونه الذهب ونعومته الحرير .

اما في الثانية فقد اختار شرقية طويلة , وجنتيها كانهما مجبولتان بالبرونز النقي , وشعرها اسود متراص, وعيناها كثمار الزيتون نهاية ايلول .
ومع اشتداد الخلاف بين زوجتي الناسك وسيطرتهما على كل ما يملك ، لم يجد مكانا يؤويه .. فبنى بيتا من الطين وعاش حياته البدائية , ممضيا وقته بين الصلاة والدعاء ، يقتات على ما يقدمه له عابرو الوادي.

ومع هطول قطرات من المطر ، و قد بلغ منا الاعياء مبلغه بعد مسيرة يوم كامل ، قررنا ان نخيم ليلتنا بجوار مبيت هذا الناسك حتى بزوغ الفجر التالي  ،  ثم ننطلق من جديد.