وفي الليلة التاسعة من رحلتنا الطويلة ، دخلنا بطن واد عميق ، وخرير الماء لا يفارق مسامعنا ، وعلى حافتيه تتدلى اغصان شجيرات طرية ، حتى وصلنا نهايته ، فوقع نظري على تلة متواضعة ، يعتليها بيت من الطين والحجر .. يقطنه شيخ كبير ، حدثنا عنه بعض من مررنا بهم في الايام الاخيرة ، فقالوا عنه ورع زاهد ، باع الدنيا واشترى الاخرة .
ومما قالوه عن هذا الناسك ، انه تزوج مرتين ، ففي الاولى تزوج غربية شقراء ، عيونها كانهما البحر ازرقاقا ، وشعرها كخيوط مدلاة ، لونه الذهب ونعومته الحرير .
اما في الثانية فقد اختار شرقية طويلة , وجنتيها كانهما مجبولتان بالبرونز النقي , وشعرها اسود متراص, وعيناها كثمار الزيتون نهاية ايلول .
ومع اشتداد الخلاف بين زوجتي الناسك وسيطرتهما على كل ما يملك ، لم يجد مكانا يؤويه .. فبنى بيتا من الطين وعاش حياته البدائية , ممضيا وقته بين الصلاة والدعاء ، يقتات على ما يقدمه له عابرو الوادي.
ومع هطول قطرات من المطر ، و قد بلغ منا الاعياء مبلغه بعد مسيرة يوم كامل ، قررنا ان نخيم ليلتنا بجوار مبيت هذا الناسك حتى بزوغ الفجر التالي ، ثم ننطلق من جديد.
26/12/2016 23:23 1,605

.jpg)

