سينما جنين .. تمضي كانها لم تكن ..

ما كان حق ,, وما وجب ان لا يكون ايضا حق , هو صراع الحياة مع الحياة الاخرى , حياة تنظر الى المصلحة المتوخاة اين تكون , واخرى ما زالت متمسكة بالظلال التي ترتبط خيوطها مع المكان , المكان ليس بقيمة احجاره , ولا باهمية ماضيه , ولكنه المكان الذي بدون ادنى شك , اختلفنا او اتفقنا , تدفقت تحت قبته شلالات من العواطف السخية , انهمرت ضحكا وبكاء وشوقا وفرحا , اجتمع فيه رواد المكان من مشارب شتى , لكل منهم مقصده الذي يتوق اليه .

كان ادنى اقتراب لي من  دار السينما , حين كنت امر بجوارها قاصدا المتجر الملاصق لها لاشتري سندويشة من النقانق , كانت شهية جدا , وكنت حينها ارى بعض مرتاديها من الشباب والشابات , يحمل بعضهم الكتب , ويحمل اخر آلتة الموسيقية , ويحمل اخر ريشة ولوحه ,اقرأ في ملامحهم حب الحياة  , ويشع من عيونهم بريق امل بمستقبل جميل ,  فكنت حين ارقبهم, اشعر بدفء الحب الذي يجمعهم , وكنت قد قررت لايام قريبة الذهاب الى المكان برفقة اطفالي الذين تعرفوا عليها من خلال احدى دروس المدرسة , وطلبوا مني زيارتها .

انتهت الحكاية بتحويل المكان الى خلاء .. لاقامة مجمع تجاري , يرى اصحابه انه حق لا احد يمكنه مساومتهم عليه , فالقيمة التجارية للموقع لا تحتمل التأجيل او الانتظار , خصوصا ان موارد الفن والثقافة اضمحلت بعد ان اقتصرت انشطتها على تجمعات صغيرة لاعداد قليلة ممن هم في مقتبل العمر , والذين لا ريب انهم سيتفرقون واحدا تلو الآخر,  حيث سيخوض كل منهم معركة الحياة العملية التي لا ترحم  , فجل ما يجمعهم الآن , تمضية لاوقات الفراغ , او رغبة في الترويح عن النفس, وان تخلل ذلك بعض الفقرات الجادة التي بالكاد يعرف بها نفر قليل من المجتمع المحيط  , مع غياب الرعاية او الاهتمام او الدعم من اي جهة كانت , قد يكون بينهم من يحمل املا بفضاء ثقافي جميل , لكنه وبلا شك فان هذا الامل المنشود لا ملامح له في الافق المنظور , ولا يمكننا ان نحمل مالكي المبنى عبء الانتظار  , هو عبء ثقيل , واعباء الحياة اثقل , وقد تخلى الجميع عن تحمل مسؤولياتهم .

#سينما_جنين كانت اسما جميلا , و علما ومعلما شئنا ام ابينا .. لكنه انتهى كما تنتهي الايام .. ولا ندري اين تذهب بنا .